الشاعر أيمن اللبدي

 

 

# مراجعة شاملة لمذكرات "عقل يخصني" (A Mind of My Own) لـ كاثي بيرك: صراحة الطبقة والشهرة والهوية

 

مذكرات كاثي بيرك تروي قصة صريحة عن طبقتها الاجتماعية وهويتها في زمن مضى

مذكرات كاثي بيرك تروي قصة صريحة عن طبقتها الاجتماعية وهويتها في زمن مضى

مذكرات كاثي بيرك تروي قصة صريحة عن طبقتها الاجتماعية وهويتها في زمن مضى

## **نظرة عامة كاثي بيرك تتجاوز الكوميديا**

 

لطالما ارتبط اسم الممثلة والكاتبة البريطانية **كاثي بيرك** (Kathy Burke) بأدوارها الكوميدية الخالدة التي رسخت في الذاكرة الشعبية، سواء كانت في شخصية "واينيتا سلوب" الساخرة أو المراهق المشاكس "بيري" في برامج مثل "هاري إنفيلد وتشامز". ومع ذلك، تثبت بيرك في مذكراتها الصادرة حديثاً تحت عنوان **"عقل يخصني" (A Mind of My Own)** أنها تتجاوز بكثير هذه القوالب الفنية.

 

• هذا الكتاب ليس مجرد سجل احتفالي للمسيرة المهنية، بل هو شهادة صادقة ومباشرة، لا تخشى الكشف
•  عن الطبقة الاجتماعية، والهوية الجنسية، والتحديات النفسية التي واجهتها خلال صعودها من شوارع
•  لندن الفقيرة إلى مسرح الشهرة العالمية. إنه عمل أدبي يجيب عن سؤال مهم: كيف احتفظت فنانة بمثل
•  هذا القدر من الأصالة، رغم أنها تصف الشهرة ذاتها بأنها أمر "مُحرج"؟

 

تُعد مذكرات بيرك إضافة قيّمة للمكتبة الإنجليزية والعربية، كونها تقدم صوتاً نادراً وشجاعاً من خلف الكواليس، وهو ما أكسبها تقييمنا المرتفع الذي يعكس عمق تأثيرها.

 

 

## **رحلة "الطفلة المشاغبة" النشأة في لندن في الستينيات**

 

للتعمق في فهم **مذكرات كاثي بيرك**، يجب أولاً استكشاف جذورها. ولدت بيرك في يونيو (حزيران) عام 1964 في منطقة إزلنغتون (Islington) بقلب لندن، وهي الفترة التي شكلت خلفية قاسية لكنها محفزة لحياتها.

 

### **ويلات الفقد واليتم المبكر**

 

تستعرض بيرك بأسلوب مؤثر مأساة طفولتها المبكرة، حيث توفيت والدتها، بريدجت، بسرطان المعدة وهي في الثامنة والثلاثين من عمرها، وكانت كاثي حينها في عامها الثاني فقط. هذا الفقد المبكر ترك فجوة عميقة في حياتها.

 

1. بعد وفاة الأم، نشأت بيرك تحت رعاية أب عرف بـ"نوبات غضب أثناء السكر" متكررة، مما خلق
2.  بيئة عائلية مضطربة. ومن غير المستغرب أن انعكست هذه الظروف على سلوكها المدرسي، حيث
3.  كانت تُعتبر مشاغبة متمردة. هذه الخلفية الصعبة تفسر جزئياً الشجاعة والحدة التي طبعت شخصيتها
4.  لاحقاً، فهي لم تتعلم الخوف من المواجهة.

 

### **لندن التي صنعت بيرك**

 

ما يميز المذكرات هو دقة بيرك في وصف تفاصيل الحياة اليومية في لندن، مما يجعلها وثيقة اجتماعية بحد ذاتها. هي تتحدث عن أماكن محددة مثل "كورامز فيلدز" (Coram’s Fields) و"تشابل ماركت" (Chapel Market)، وحتى "مستشفى إيستمان المرهوب لطب الأسنان في شارع غرايز إن". بالنسبة لأبناء جيلها في لندن، فإن هذه التفاصيل ليست مجرد خلفية، بل هي نسيج الحياة الذي شكل وعيها.

 

• ومن اللحظات السردية المميزة، عندما تصف بيرك سعادتها الطفولية بإنفاق أجرة الحافلة على شراء
•  كيس مقرمشات، وتلخص المتعة بعبارة: **"مشي، قرقشة، مشي، قرقشة. رائع"**. هذه القدرة على
•  التقاط الفرح في أبسط اللحظات، رغم قسوة الظروف، هي ما يمنح كتاب "عقل يخصني" جاذبية
•  فريدة.

  

## **المسار نحو قمة الشهرة الفنية (من الكوميديا إلى كان)**

 

على الرغم من عدم اهتمامها المزعوم بالشهرة، فإن مسار بيرك المهني يعد قصة نجاح ملهمة. بدأت رحلتها بالحصول على مكان في مسرح "آنا شير" الشهير، وكانت بدايتها في بيئة تمثيل جادة ومستقلة، بعيداً عن أضواء هوليوود البراقة.

 

### **ذروة المجد جائزة كان وفيلم Nil by Mouth**

 

وصلت مسيرة بيرك إلى ذروة مجدها العالمي عام 1997، عندما فازت بجائزة أفضل ممثلة في **مهرجان كان السينمائي** عن دورها المتميز في فيلم **"لا شيء عن طريق الفم" (Nil by Mouth)**، الذي أخرجه صديقها **غاري أولدمان**.

 

1. تصف بيرك قصة تسلمها هذه الجائزة المرموقة بأسلوبها الساخر والمثير، مختتمة تلك اللحظة
2.  التاريخية بإشارة لاذعة حين تقول إنها كانت "تستلم كوكتيل بيليني من هارفي واينستين اللعين". هذه
3.  الجملة القصيرة تلخص قدرتها على دمج الانتصار المهني بلمسة من النقد الاجتماعي، وإظهار وعيها
4.  بحقائق صناعة السينما غير المريحة.

 

### **الحذر من "المجال الجاد"**

 

بجانب الكوميديا، كرست بيرك نفسها للعمل ككاتبة مسرحية ومخرجة، وهو ما تصفه بـ"التمثيل الجاد". لكنها تكشف أن هذا العالم لم يكن أقل قسوة من عالم الشهرة. عند اعترافها لممثلين زملاء لها بمشكلاتها المتعلقة بالصحة النفسية والإدمان، حذرتها إحدى الصديقات بعبارة صادمة: **"احذري يا كاث، هذا المجال لا يحب المرضى"**. هذه الجملة تسلط الضوء على ثقافة الإخفاء والقسوة المتبعة في الصناعات الإبداعية تجاه أولئك الذين يعانون بصمت.

 

 

## **الصراحة الجارحة الطبقة والهوية ومواجهة التحديات**

 

تعتبر الصراحة السمة الأبرز في كتاب "عقل يخصني". بيرك لا تخشى تسمية الأشياء بأسمائها، سواء تعلق الأمر بالأشخاص أو القضايا الاجتماعية والسياسية.

 

### **نقد لاذع ودفء مخلص**

 

تتوازن حدة بيرك في النقد بقلب دافئ تجاه من أحبتهم. فهي لا تتردد في وصف معلمة قاسية بأنها "عجوز لعينة فاسدة"، والممثل كيري فوكس بأنه "وغد عديم الجاذبية". في المقابل، تفيض المذكرات بالحب والامتنان تجاه شخصيات صادقة أثرت في حياتها، مثل الكاتب والممثل ريك مايول، والممثل دونالد بليزنس، والممثلة ميني درايفر، وبالطبع غاري أولدمان.

 

### **الهوية السياسية والتحفظ الخاص**

 

في المذكرات، نكتشف الجانب السياسي الجريء لبيرك. في إحدى الحكايات، تروي كيف أثارت ضجة كبرى بين الجنود أثناء عرض كانت تؤديه في ثكنات الجيش في منطقة تشيلسي بلندن، عندما صرخت في الميكروفون بجرأة: **"أعيدوا أيرلندا للأيرلنديين"**.

 

• وعلى النقيض من هذه الصراحة العلنية، تبدي بيرك تحفظاً نسبياً تجاه حياتها العاطفية. تتعامل مع آثار
•  العلاقات السيئة بأسلوب فكاهي مازح، قائلة: "كانت المغامرة العابرة الواحدة كافية أكثر من اللازم".
•  هذا التحفظ يمنح القارئ مساحة لاحترام خصوصيتها، دون المساس بمستوى الصدق العام في الكتاب.

 

 

## **خاتمة عقل يخصها وحدها**

 

إن قراءة مذكرات **"عقل يخصني" (A Mind of My Own)** هي تجربة استثنائية. ما يبدأ كتعمق في سيرة فنانة مشهورة، ينتهي باكتشاف شخصية إنسانية عميقة، سخية، متواضعة، وحاذقة.

 

الروح المتأججة لـ كاثي بيرك تتجلى في كل فصل، حتى في تفاعلاتها الطريفة مع المغني الرئيسي لفرقة "ذا بوغز" (The Pogues)، شين ماكغوان، الذي كان يحييها دائماً بعبارته: "هل أنت بخير، أيتها الحمقاء؟". لم يثنها السؤال عن الإجابة بشجاعة وثقة: **"نعم، شكراً لسؤالك، أيها الغبي"**.

 

هذه الإجابة تختصر كل ما تمثله هذه المذكرات: صوت أصيل وقوي، صادر عن عقل وفم يخصانها وحدها. لمن يبحث عن سيرة ذاتية تجمع بين الفكاهة الساخرة، والنقد الاجتماعي اللاذع، والعمق العاطفي، فإن مذكرات كاثي بيرك هي قراءة لا غنى عنها.

 

*صدرت مذكرات "عقل يخصني" لـ كاثي بيرك عن دار غاليري في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول 2025

 سعر الكتاب

18.99 جنيه استرليني.